بإقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون على مغادرة الحزب الذي ساهم في تشكيله سنة 1973 يكون قد ألقى قنبلة سياسية زعزعت الوضع القائم وأحدثت أثرا بالغا في مجمل المشهد السياسي داخل إسرائيل· ولم يعد خافياً أن شارون، من وراء مغادرته ''الليكود''، كان يسعى إلى تخليد اسمه في التاريخ على أنه الزعيم الإسرائيلي الذي رسم حدود الدولة العبرية في إطار حل الدولتين، إلا أن ذلك لن يكون سهلاً بالنسبة لشارون الذي بات يدرك جيداً حجم الصعوبات التي تتربص به في ظل وجود تيار متشدد داخل حزب ''الليكود'' مازال الكثير من أعضائه يتجرعون مرارة الغضب إثر خطة الانسحاب من غزة· ومادام يسيطر على اللجنة المركزية للحزب نشطاء من ''صقور'' إسرائيل، فإن شارون يتوقع أن يقوم هؤلاء بإعاقة خططه المستقبلية ويحبطوا أية مبادرات سلام نحو الفلسطينيين· والأكثر من ذلك أن اللجنة المركزية لحزب ''الليكود'' ستسهر على وضع القوائم المشاركة في البرلمان الإسرائيلي، ما سيفقد شارون القدرة على تأمين الأغلبية البرلمانية الضرورية لتمرير سياساته وتطبيق خططه·
وقد تؤدي خطوة شارون الفريدة وغير المسبوقة- حيث لم يحدث أبدا في إسرائيل أن انسحب رئيس وزراء من الحزب الحاكم- إلى إعادة صياغة المشهد السياسي في إسرائيل· وفي هذا الإطار من المرجح أن يقود الانقسام الذي طال حزب ''الليكود'' إلى إيجاد نوع من الاستقطاب في الشارع الإسرائيلي يعكس بدقة أكثر آراء المواطنين تجاه القضايا المرتبطة بالعلاقات مع الفلسطينيين· يذكر أن ثلثي الإسرائيليين يساندون حل الدولتين ينتمي جزء منهم إلى حزب ''الليكود'' بما في ذلك شارون وبعض القادة الأمنيين· وإلى حد الآن تشير استطلاعات الرأي التي أجريت داخل ''الكنيست'' أن حزب ''الليكود'' سيتقلص عدد أعضائه إلى النصف مفضياً إلى تهميش أحد أهم الأحزاب القوية الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية طوال العقدين السابقين· لكن بالمقابل سوف ينعش حزب شارون الجديد تيار ''الوسط'' الإسرائيلي الذي غُيب طيلة فترة العنف التي سادت خلال السنوات الأربع السابقة·
وبالطبع سيسعى شارون بعد انتخابات مارس المقبلة إلى تشكيل تحالفات واسعة قد تضم أطرافا من ''اليسار'' و''اليمين'' يؤيدون مقاربته السياسية في التعامل مع الفلسطينيين· ومن جانبه سيتبنى رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو خطا متشددا إذا ما نجح في قيادة حزب ''الليكود'' رغم عدم تأكد ذلك بالنظر إلى وجود مرشحين آخرين يتنافسون على زعامة الحزب مثل وزير الدفاع شاؤول موفاز ووزير الخارجية سيلفان شالوم· ومع كل الجرأة السياسية التي يتمتع بها شارون، إلا أن إقدامه على مغادرة ''الليكود'' يعد مغامرة حقيقية يصعب التكهن بنتائجها النهائية، ذلك أنه لم يسبق أبداً في الحياة السياسية الإسرائيلية أن فاز حزب ثالث بالانتخابات في إسرائيل· وأياً كانت النتائج فالأكيد أن قرار شارون الدراماتيكي سيؤدي إلى تفعيل الجهود الدبلوماسية الأميركية في المنطقة، حيث ستشجع الانتخابات الإسرائيلية والفلسطينية على إطلاق النقاش السياسي في المجتمعين· لكن إذا ما جاءت نتائج الانتخابات متباينة على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وغير متوائمة فيما بينها، فإن ذلك سيقوض الجهود الأميركية في الوصول إلى اتفاق بين الطرفين·
وإلى حد الآن أتت المساعي الأميركية في المنطقة أكلها حيث ساهمت في إحداث انفراج إزاء بعض القضايا العالقة، خصوصا الاتفاق التي تم التوصل إليه في 15 نوفمبر حول معابر غزة برعاية أميركية، وهو الاتفاق الذي سيدعم موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في انتخابات شهر يناير المقبل· كما ساهمت الولايات المتحدة خلال الفترة السابقة في إقناع إسرائيل بالموافقة على إشراك مصر في اتفاق معابر غزة وبالسماح للقاهرة بتزويد الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية بالذخيرة· ومع ذلك فإنه مازال أمام واشنطن الكثير لتقوم به من أجل ترطيب الأجواء والتدخل كلما لاحت بوادر أزمة بين الطرفين· وفي هذا الصدد يتعين عليها مناقشة مسألة تمديد اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته في وقت سابق بالتعاون مع مصر وذلك للحيلولة دون وقوع عمليات عنف قد تؤثر على مجرى ونتيجة الانتخابات الإسرائيلية· بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تضغط الولايات المتحدة في تجاه التزام الدول الكبرى بوعودها، حيث يبدو أن دول مجموعة الثماني الكبار لم تفِ بتعهداتها بشأن المساعدات المالية الموجهة للفلسطينيين والتي تصل إلى 3 مليارات دولار· فالمعلوم أن قطاع غزة في حاجة ماسة إلى استثمارات مهمة في مجالات البنية التحتية لمساعدة السلطة الفلسطينية على تأمين الخدمات الأساسية وفرص العمل للفلسطينيين· وإذا كان يتعين على واشنطن الوقوف بعيدا عن الانتخابات الفلسطينية أو الإسرائيلية دون تدخل في هذه المرحلة، إلا أن عليها البقاء متيقظة حتى لا تنزلق العملية السياسية الجارية حاليا إلى آتون العنف· وفي هذا السياق قامت الولايات المتحدة بترشيح اسم الجنرال ''كيث دايتون''، المدير السابق لوكالة الاستخبارات الت